الحماية الدولية للصحفيين في نطاق القانون الدولي الانساني
بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي
ينص القانون الدولي الإنساني على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد. ويؤمن القانون الدولي الإنساني للصحفيين المدنيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين طالما أنهم لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
وتنص المادة (79 ) من البروتوكول الأول الإضافي من اتفاقيات جنيف لعام 1949 على ما يلي:
1 – يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين
2 – يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين .
حيث وردت كلمة صحفي بشكل مباشر وصريح في نص المادة المشار إليها أعلاه ، ومن هذا المنطلق فقد اعتبرت الصحفيين العاملين في مناطق النزاع مدنيين يتمتعون بالحماية الكاملة الممنوحة للمدنيين وفقا للقانون الدولي الانساني ، وفي نفس الصدد فضلت اللجنة المعنية بحقوق الانسان في الامم المتحدة التركيز على ممارسة الصحافة كمهنة بدلا من التركيز على دور الصحفي كفرد حيث اكدت بالقول : ( ان الصحافة هي وظيفة تتقاسمها مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة بما في ذلك الصحفيون والمحللون المهنيون المتفرغون فضلا عن المدونين وغيرهم ممن ينخرط في أشكال النشر الذاتي او المطبوعة على شبكة الانترنت او في اي مكان اخر) ، وبما لا يدع مجالا للشك بأن الصحفيون وفقا لما تقدم محميون من آثار الاعمال العدائية والتدابير التعسفية التي يتخذها اي من أطراف النزاع حتى وان تم اسرهم او القاء القبض عليهم ، لذا يمكننا القول ان تدابير حماية الصحفيين مقننة فقط في حالة النزاعات المسلحة الدولية وفقا لأحكام البروتكول الاول ، الا ان الصحافيين يتمتعون ايضا بالحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية .
ومن زاوية أخرى فان اولى المحاولات لحماية الصحفيين تعود الى اللائحة المتعلقة بقوانين واعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي في الثامن عشر من تشرين الاول من عام 1907 والتي ورد في الفصل الثاني اسرى الحرب من القسم الاول من المادة الثالثة عشرة وعلى النحو الاتي :
)Individuals who follow an army without directly belonging to it، such as newspaper correspondents and reporters، sutlers and contractors، who fall into the enemy’s hands and whom the latter thinks expedient to detain، are entitled to be treated as prisoners of war، provided they are in possession of a certificate from the military authorities of the army which they were accompanying).
حيث يتمتع الاشخاص الملحقون بالقوات المسلحة بالحماية القانونية على اعتبار انهم اشخاص ملحقون بالقوات المسلحة ولكنهم ليسوا جزءا منها لذلك يتم معاملتهم كأسرى حرب في حال تم اسرهم ووقعوا في قبضة العدو مع احتفاظهم بصفتهم المدنية شرط امتلاكهم تصريحا صادرا من القوات العسكرية لبلدهم ، ومن الجدير بالذكر ان تلك الحماية ورد ذكرها لاحقا في اللوائح الخاصة بقوانين واعراف الحرب الملحقة باتفاقيتي لاهاي لعام 1899 و1907، اما بنا يتعلق بإتفاقية جنيف فقد انبثق عنها اتفاقيتان الاولى معنية بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان والثانية خاصة بمعاملة اسرى الحرب حيث تطرقت الاخيرة الى المراسلين والمخبرين الصحفيين، لتأتي اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 وتحديدا الثالثة منها التي ابقت على ذات الحماية المقررة للمراسلين الحربيين حيث يمكننا الجزم بأن الحماية المقررة للصحفيين خلال تلك الفترة تقتصر على المراسلين الحربيين دون غيرهم من فئات الصحفيين الاخرى ، الا انه وبسبب ازدياد حالات الانتهاك الخطرة عبر الهجمات التي بات الصحفيون يتعرضون لها بدأت المنظمات غير الحكومية تعمل بجد من اجل اقرار قواعد خاصة لحماية تلك الفئة في مناطق النزاع المسلح بسبب فقدانها للكثير من العاملين في المجال الاعلامي ، لنكون هنا امام المرحلة الثانية لإقرار الحماية للصحفيين ليثمر التعاون مع الامم المتحدة الاساس القانوني للمادة (79) من البروتكول الاضافي الاول لعام 1977 لاحقا، حيث شارك السيد (موريس شومان) وزير فرنسا السابق للشؤون الخارجية في مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح عقد اتفاقية دولية لحماية الصحفيين في المهام الخطرة والتي منحتها الاهمية في الدراسة في دورتها السادسة والعشرين واتي نتج عنها صدور قرارها المرقم (2244) لسنة 1968والذي تم لدعوة من خلاله الى التدارس مع لجنة الصليب الاحمر بشأن لفت انظار الدول الاعضاء في الامم المتحدة الى الالتزام بالقواعد السارية للقانون الدولي الانساني ريثما يتم اقرار قواعد جديدة تأمن الحماية لتلك الفئة من الافراد.
ولا يفوتنا ان ننوه ان مجلس الامن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ساهم كلاهما في موضوع حماية الصحفيين بقرار مجلس الامن المرقم (1738) لعام 2006 والذي عبر من خلاله عن القلق ازاء تواتر اعمال العنف ولاسيما الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين والاعلاميين ، ليأتي القرار المرقم (2222) المعتمد من قبل مجلس الامن في ايار من عام 2015 الذي تم التأكيد من خلاله على ضرورة الالتزام بمقاصد ميثاق الامم المتحدة بما في ذلك الالتزام بمبادئ الاستقلال السياسي والمساواة في السيادة والسلامة الاقليمية واحترام سيادة جميع الدول مع التذكير بان عمل الصحفيين والاعلاميين غالبا ما بضعهم في خطر التعرض للانتهاكات والعنف والمضايقة في مناطق النزاع المسلح .
ومن الجدير بالذكر الى ان دراسة اللجنة الدولية عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني في العام 2005 في قاعدتها الرابعة والثلاثون من الفصل العاشر تشير الى ما يلي: ( يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهد مباشرة في الأعمال العدائية ) حيث تستند ممارسات الدول في هذا النطاق إلى مبدأ أن قواعد القانون الدولي العرفي يطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حد سواء، حيث يحظر القانون الدولي الإنساني في جميع النزاعات المسلحة صراحة الأفعال التالية ضد الأشخاص الذين لا يشاركون فعليا في الأعمال العدائية أو أصبحوا عاجزين عن المشاركة فيها وهي أي عنف ضد الحياة والأشخاص لاسيما القتل بكل أشكاله كالتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب, أخذ الرهائن, والاعتداء على الكرامة الشخصية, خاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة, وكذلك إصدار العقوبات وتنفيذ الإعدامات بدون حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة قانوناً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف بضرورتها من طرف الشعوب المتمدنة.
ومما تقدم اجد أنه من الملح والمهم للدول أن تنشر وتعزز الحماية القانونية القائمة للصحفيين مع العمل على الإجماع على تطوير قانون دولي إضافية واعتماد إجراءات تخدم تعزيز القواعد القائمة عبر تحسين أمن وحماية أطقم وسائل الإعلام في النزاعات المسلحة والحالات الأخرى ، مع وجوب تعزيز واحترام القوانين التي تحمي الصحفيين ضد الهجمات، ونظن أن على جميع أطراف النزاع أن تلم بهذه القواعد وتتذكَّر مسؤولياتها ذات الصلة, لاسيما القوات المسلحة وقوى الأمن وكذلك الأطراف من غير الدول ، مع الاشارة الى انه يتعين على الصحفيين أن يكونوا على استعداد لمواجهة أخطار النزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى, من خلال التدريب والأشكال الأخرى من التوجيه والدعم. كما يجب أن يحظوا بدعم أصحاب العمل. وينطبق هذا على الصحفيين المتعاقدين والصحفيين المستقلين على حد سواء.
وحري بنا التطرق الى جهود المنظمات التي تعمل على حماية الصحفيين في تطوير توصيات إضافية حول الإجراءات الواجب اتخاذها لتحسين أمن الصحفيين, كما ورد مثلاً في التقرير الخاص بالاستعلام الدولي الذي أجراه معهد أمان الأخبار العالمي في آذار من عام 2007، ومن زاوية اخرى نجد انه على الصحفيين الإلمام بالقانون الدولي الإنساني عندما يقومون بتغطية النزاعات المسلحة ، حيث
يعد احترام القانون الدولي الإنساني أو انتهاكه جزءاً مهماً في النزاعات المسلحة المعاصرة، وغالباً ما تكون انتهاكات القوانين هي مصدر الأزمات الإنسانية والسياسية، فعندما يخالف المقاتلون والقوات الامنية القوانين يمكن أن يؤثر ذلك على نجاح مهمتهم، والتي من المرجح ان تسهم بشكل متزايد في وضع مجرمي الحرب ومحاكمتهم جراء ما يرتكبونه من انتهاكات لقواعد القانون الدولي الانساني والتيمن المهم فهم اساسها القانوني عند تغطيتها إعلاميا.
وتماشيا مع ما تم ذكره فإن فهم مغزى بعض الأفعال والأحداث من حيث القانون الدولي الإنساني يفضي إلى تغطية إعلامية أحسن جودة كما يساعد على أدراك الصحفيين للأسالة الواجب طرحها والتي ستكون أسئلة وجيهة عبر النظر إلى النواحي المهمة والتحري عن الحدث الكامن وراء الواقعة وتغذية النقاش حول حقوق وواجبات مختلف الأطراف في الميدان وفي أماكن أخرى.
حيث يمكن لجودة التغطية الإعلامية تغيير الأمور من زاوية القانون الدولي الإنساني والتأثير في السياسة واتخاذ القرار وأيضا السلوك, بمعنى أنها تزيد من الرغبة في الامتثال للقانون ومكافحة الإفلات من العقاب وحماية المدنيين.
كما يمكن الاستعانة بالخبراء في العديد من البلدان لتقديم معلومات وآراء عن القضايا ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني على سبيل المثال المستشارون القانونيون التابعون لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الوطنية أو للجنة الدولية ،والأساتذة والباحثون، والخبراء الحكوميون، وخبراء المنظمات غير الحكومية الشهيرة، وآخرون غيرهم من ذوي الاختصاص.