بعد نشر أخبار كاذبة عبر حسابات وهمية بهدف الإساءة إلى النائب العام السابق المستشار ضرار العسعوسي، وإحداث البلبلة، وإثارة الفتنة، كان لابد من التوقف عند هذه الهجمة المنظمة التي تفتعلها تلك الحسابات على قيادي خدم في النيابة العامة وتدرج بمناصبها إلى أن منحته القيادة شرف حمل أمانة منصب النائب العام بعد 40 عاماً من العمل في صروح العدالة.
وخلال سنوات خدمته التي وصفها العسعوسي -في كتاب استقالته بالعصيبة- كان هذا القيادي شاهداً على أحداث جسام، وكان له نشاط غير عادي في تثبيت الحقوق وتطبيق القانون وفحص القضايا بمهنية مع بقية زملائه في النيابة العامة، الا ان التغيير في المناصب العامة هو سُنة الحياة، بل هو مطلوب لتغيير النمطية وتجديد الدماء.
لكن غير المألوف هو تدخل وزير العدل في شؤون النيابة العامة وهو أمر وإن كان له تبريره القانوني لكنه يتنافى مع رمزية القضاء التي يجب أن يكون مستقلاً ومنفصلاً عن مهام السلطتين التنفيذية والتشريعية وفق المادة الـ50 من الدستور التي تجاوز وزير العدل روحها وأبعادها ومضمونها المبتغى.
تركت هذه الواقعة غير الحميدة الباب مفتوحاً لتلك الحسابات الوهمية للقدح في النائب العام السابق والطعن في ذمته، ما جعلنا نستذكر وقائع مماثلة قام بها أصحاب تلك الحسابات المشبوهة قبل سنوات ليست ببعيدة، واختلقت مشاهد فيليمية جرى تداولها على نطاق واسع، حتى تأكد لاحقاً أنها مقاطع مكذوبة واتهامات باطلة مُفتراه، كان مقصودها الإضرار بأمن الدولة لتنفيذ مقاصد سياسية، وقد تكرر ذلك بصيغة أو أخرى مع المستشار ضرار العسعوسي. ومن نافلة القول، إن الخلافات الشخصية بين المسؤولين واردة، وقد يكون سببها احتدام الآراء أو الرغبة في توسيع النفوذ، وغيرها، لكن اذا كان لتلك الخلافات أثر على تقرير المصلحة العامة فهنا تقع الكارثة وتترتب عليها آثار وتداعيات سلبية، وليس أدل على ذلك من أفعال وزير العدل تجاه النائب العام السابق، إذ اختار توقيت الإجازة الدورية للعسعوسي لمراسلة المجلس الأعلى للقضاء بشأن نقله من مكانه وعدم انتظار عودته لمناقشة هذه الخطوة معه على اعتبار أن ترشيح المستشار العسعوسي لمنصب نائب رئيس محكمة الاستئناف يدل على أن الرجل نظيف ونزيه وكفؤ، والا ما تم ترشيحه ليكون قاضياً، رغم أن المنصب المرشح له غير مكافئ لمنصب النائب العام، لكن ذلك يدل على نقاوة ثوب العسعوسي، واعتراف الوزير بنزاهته، وهو ما يعطي مؤشراً بأن المسألة لا علاقة لها بمهام النائب العام لا من قريب أو بعيد، لا بل ان الوزير تجاهل تكريم النائب العام السابق، ولم يتجشم عناء قول كلمة وداع في رجل أفنى أربعة عقود من عمره في خدمة وطنه بمحراب العدالة.
وبينما نستشعر التغيير في البلاد، وهو أمر محمود، وقد طالت رياحه مناصب حساسة، بما يشير إلى أن العهد الجديد يمضي باتجاه تغييرات تهدف إلى تطوير البلاد والعمل للمصلحة العامة، وقد رأينا الكثير من القياديين القدامى يرحلون وسط اعتراف بجهدهم ودورهم، وتكريم من الوزراء المعنيين، وعلى النقيض من ذلك قوبل النائب العام السابق بتصرف غير حضاري، وبقرار لا يفسر سوى أنه عقوبة غير مفهومة، وتصرف هدفه تصفية الحسابات. وبعد كل ما حدث، كان أمام وزير العدل خياران: إما إحالة المستشار ضرار العسعوسي إلى المحاكمة إن كانت هناك شبهات بحقه، وإما تكريمه بعد انتهاء مدته، وذلك تقديراً لمكانته واحتراماً لمنصب النائب العام، لكن وزير العدل تجاهل الخيارين، واختار طريق المهانة.
إن هذا التصرف، الذي قام به وزير العدل سيخلق – لا محالة – لدى كبار القضاة وقياديي النيابة العامة شعوراً بعدم الأمان، واللااستقرار، وقد يتخذون بعض قراراتهم خوفاً من بطش اي وزير قادم، فوظيفة النيابة أو القضاء تصدر أحكاماً وفق قرارات تقديرية ترتكز على القانون.
بعد مرور أربعة عقود من عمل النائب العام السابق في النيابة والصروح القضائية، يبقى التساؤل: هل هكذا يكون التعامل في دولة المؤسسات مع من يشغل هذا المنصب الحساس؟ ولمصلحة من تركه في مهب الإشاعات والأخبار الكاذبة، ما بين صدور أمر منع سفر عليه، ثم إلقاء القبض عليه، وغيرها من تهم وأكاذيب غير لائقة؟
كل هذه الأمور ما كانت لتحدث لو جرى تكريم النائب العام السابق والتعامل معه بصورة لائقة منذ البداية، بدلاً من القرارات غير المدروسة والتصرفات التي لا تليق بدولة المؤسسات ولا بالمناصب الحساسة.
خياران تجاهلهما وزير العدل:
01- إما إحالة النائب العام السابق إلى المحاكمة إن كانت هناك شبهات
02- وإما تكريمه بعد انتهاء مدته تقديراً لمكانة وظيفة النائب العام
3 لاءات
■ لا لإشاعة عدم الأمان في صروح العدالة
■ لا للتقليل من قيمة القياديين المشهود لهم بالنزاهة
■ لا للخروج عن الأعراف القانونية والقضائية
حقائق وملاحظات :
1 – التصرف الذي جرى مع النائب العام السابق كان بطريقة غير مألوفة
2 – كانت هناك خيارات أخرى للتعامل مع النائب العام السابق
3 – التغيير سنّة الحياة.. وضخ دماء جديدة ضروري للتطوير
4 – التعامل مع القياديين المشهود لهم بالنزاهة يجب أن يكون بما يتناسب مع عطائهم في الخدمة
5 – تصرُّف وزير العدل ترك العسعوسي لقمة سائغة لأصحاب الحسابات الوهمية
المصدر : القبس